قالوا: إنَّ أبا مَعشرٍ البَلْخيَّ (ت 272 هـ) كان من أهل الحديث، ثُمَّ انتكَس، وصار منجِّمًا، وإنَّ عمران بن حطَّان قد صار من دُعاة الخَوارج بعد أن نكح خارجيَّة؛ لأجْل أن يَصرِفَها عن مذهبِها، فاستحوذَتْ عليه، وغلبَتْه!
والانتكاس سببه أمران:
أحدهما: الجَهل، وضَعف العلم الشَّرعي الذي يورث اليقين، وغياب التفقُّه في دين الله تعالى.
وثانيهما: رِقَّة الدِّيانة وهشاشة التعبُّد، وغلَبة الشَّهوات.
قال ابن تيميَّة: "أكثر ما نَجِد الرِّدة فيمن عنده قرآنٌ بلا علم وإيمان، أو مَن عنده إيمان بلا علمٍ وقرآن"[1].
وتعاقُب النَّوازل والحوادث، وتفاقمُ الانفتاح، وتكاثر الشُّكوك والإشكالات، إضافةً إلى توالي القَمع والاستبداد... كلُّ ذلك أفضى إلى لَبْسٍ وحيرة، ومُغالطةٍ واضطراب.
وهذا يوجب الفرار إلى الله تعالى، واللياذ به، والافتِقار إليه سبحانه في سُؤال الهِداية والبصيرة، والانطراح والانكسار بين يدَيْ مولاه سبحانه بأن يُلهِمَه رشده، وأن يَهديه لِما اختُلِف فيه من الحقِّ بإذنه، فما أكثر ما يُؤتَى المرءُ مِن اعتدادِه بنفسه، وثقتِه بشخصه! فاللَّهم لا تَكِلنا إلى أنفسنا طرفةَ عين.
قال ابن تيمية: "وقد يكون الرجل من أذكياء النَّاس وأحدِّهم نظرًا، ويعميه عن أظهر الأشياء، وقد يكون من أبلد الناس، وأضعفهم نظرًا، ويهديه لما اختُلِف فيه من الحقِّ بإذنه، فلا حول ولا قوة إلاَّ بالله!
فمن اتَّكل على نظره واستدلاله، أو عَقله ومعرفته، خُذِل، ولِهذا كان النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الأحاديث الصحيحة كثيرًا ما يقول: ((يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك))"[2].
[1] "مجموعة تفسير ابن تيمية" ص 149.
[2] "الدرء" (9/ 34).